فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (13):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [13].
{قَالَ} تعالى لإبليس: {فَاهْبِطْ مِنْهَا} أي: بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي، وأكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الجنة، والإضمار قبل ذكرها لشهرة كونه من سكانها.
قال ابن كثير: ويحتمل أن يكون عائداً إلى المنزلة التي هو فيها من الملكوت الأعلى. انتهى.
وعليه اقتصر المهايمي حيث قال: فاهبط منها أي: من رتبة الملكية إلى رتبة العناصر: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} أي: فما يصح ولا يستقيم، فإنها مكان المطيعين الخاضعين: {فَاخْرُجْ} تأكيد للأمر بالهبوط، متفرع على علته: {إنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} أي: من الأذلاء وأهل الهوان على الله تعالى وعلى أوليائه.

.تفسير الآية رقم (14):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [14].
{قَالَ أَنْظِرْنِي} أي: أمهلني ولا تمتني {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي: آدم وذريته من القبور.

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِين} [15].
{قَالَ} أي: الله له: {إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} أي: من المؤجلين إلى نفخة الصور الثانية.
قال ابن كثير: أجابه تعالى إلى ما سأل، لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع، ولا معقب لحكمه.
وقال الإمام أبو سعد المحسن بن كرامة الجشميّ اليماني في تفسيره التهذيب: ومتى قيل: ما وجه سؤاله مع أنه مطرود وملعون؟ فجوابنا علمه بإحسانه تعالى إلى خلقه من أطاع ومن عصى، فلم يمنعه من السؤال ما ارتكب من المعصية، ومتى قيل: هل خاطبه بهذا؟ قلنا: يحتمل ذاك، ويحتمل أنه أمر ملكاً فخاطبه به، ومتى قيل: هل يجوز إجابة دعاء الكافر؟ فيه خلاف.
الأول: قيل لا، لأنه إكرام وتعظيم- عن أبي علي- ولذلك يقال: فلان مستجاب الدعوة، وإنظاره لا على سبيل إجابة دعائه، لأنه ملعون ولأنه لم يسأل على وجه الخضوع.
الثاني: يجوز إجابة دعائه استصلاحاُ له، لأنه تفضل- عن أبي بكر أحمد بن علي- وليس بالوجه.
ومتى قيل: إذا أنظر هل يكون إغراء بالمعصية؟ قلنا: لا، لأنه لم يعلم ما الوقت المعلوم، فلا يكون إغراء مع تجويزه هجوم الموت عليه، ولأنه تعالى لما أعلمه أنه يدخله النار، ولعنه- علم أنه لا يختار الإيمان أبداً.
ومتى قيل: ما فائدة إنظاره؟ قلنا: لطف له، لأنه يمكنه من استدراك أمره، وهل يضل به أحد؟ قال أبو علي، لا، لقوله تعالى: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} ولأنه لو ضل به، لكان بقاؤه مفسدة، فكان الله تعالى لا ينظره.
فأما أبو هاشم فيجوِّز أن يضل به أحد، ويكون بمنزلة زيادة الشهوة، ويجوز أن يكون لطفاً من وجوه:
أحدها أن المكلف مع وسوسته إذا امتنع من القبيح، كان ثوابه أكثر، ولأنه تعالى عرفنا عداوته، والعاقل يجتهد في أن يغيظ عدوه ويغمه، وذلك إنما يكون بطاعة ربه، ومن أطاعه فمن قِبَل نفسه أتى، لا من قبل ربه. انتهى كلام الجشمي، وهو جارٍ على أصول المعتزلة.

.تفسير الآية رقم (16):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [16].
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} أي: أضللتني عن الهدى، أو حكمت بغوايتي، والباء للقسم، كما في قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ} أي: فأقسم لإغوائك إياي، وقيل: هي بمعنى لام التعليل، أي: لأجل إغوائك إياي: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} أي:
لآدم وبنيه ترصداً كما يقعد القطاع للطريق على السابلة: {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: طريقك السوي، وهو طريق الحق ومعناه لا أفتر عن إفسادهم، وانتصابه على الظرفية أو على نزع الجار.

.تفسير الآية رقم (17):

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [17].
{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} أي: من جميع الجهات الأربع، مثل قصده إياهم بالتسويل والإضلال من أي: وجه يمكنه، بإتيان العدو من الجهات الأربع التي يعتاد هجومه منها، ولذلك لم يذكر الفوق والتحت.
{وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} أي: مستعملين لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم، في طريق الطاعة والتقرب إلى الله، وإنما قال ذلك لما رآه من الأمارات على طريق الظن، كقوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
روى الإمام أحمد عن سَبْرة بن الفاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ قال: فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتدع أرضك وسماؤك، وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول، قال: فعصاه فهاجر، قال: ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له: هو جهاد النفس والمال، فتقاتل فتقتل فتنطح المرأة ويقسم المال؟ قال: فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك منهم فمات، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، أو قتل كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة».
وقال الحافظ: ورد في الحديث استعاذة من تسلط الشيطان على الْإِنْسَاْن من جهاته كلها فروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن عُمَر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: «اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي». ورواه البزار عن ابن عباس.
فائدة:
قال الجشمي: تدل الآية أنه سأل الإنظار، وأنه تعالى أنظره، وقد بينا ما قيل فيه، وتدل على شدة عداوته لبني آدم وحرصه على إضلالهم، وتدل على أن أكثر بني آدم غير شاكرين، وتدل على أن الإضلال فعل إبليس، والقبول عنه فعلهم، لذلك أضافه إليهم، وذمهم عليه، ولو كان خلقاً له لما صح ذلك. انتهى.
والكلام في أمثالها معروف.
ثم أكد تعالى على إبليس اللعنة والطرد والإبعاد عن محل الملأ الأعلى، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [18].
{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوما} بالهمزة في القراءة المشهورة، من ذأمهُ، إذا حقره وذمه، وقرئ {مذوماُ} بذال مضمومة وواو ساكنة، وهي تحتمل أن تكون مخففة من المهموز، بنقل حركة الهمزة إلى الساكن ثم حذفها، وأن تكون من المعتل، وكان قياسه مذيم كمبيع، إلا أنه أبدلت الواو من الياء، على حد قولهم مَكُول في مكيل، ومَشوب في مشيب.
{مَدْحُوراً} مقصياً مطروداً.
{لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ} اللام فيه، لتوطئة القسم، وجوابه {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}، أي: لمن أطاعك من الجن والإنس، لأملأن جهنم من كفاركم، كقوله تعالى: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً}.
قال الجشميّ: وإنما قال ذلك لأنه لا يكون في جهنم إلا إبليس وحزبه من الشياطين، وكفار الإنس وفساقهم، الذين انقادوا له وتركوا أمر الله لأمره، فجمعهم في الخطاب، ومتى قيل: لم ضيَّق جهنم ووسَّع الجنة؟ قلنا: لأن جهنم حبس، والجنة دار ملك.
ومتى قيل: فما الفائدة في قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ} قلنا: لطفاً ليكون المكلف تبعاً للأنبياء دون الشياطين، ولطفاً لإبليس وحزبه، لأنه غاية في الزجر والنهي.
تنبيه:
قال الجشمي: تدل الآية على الوعيد لمن تبع إبليس، وأنه يملأ جهنم منهم، ولابد فيه من شرط، وهو أن لا يتوب، أو لا يكون معه طاعة أعظم، وتدل على إذلال إبليس وطرده ولعنه بسبب عصيانه، تحذيراً عن مثل حاله.

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِين} [19].
قوله تعالى: {وَيَا آدَمُ} أي: وقلنا يا آدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} أي: جنة الخلد، أو جنة في الأرض.
قال الجشمي: وقد تقدم ذكر هذه القصة، والفائدة في إعادتها أن القرآن نزل في بضع وعشرين سنة، والعوارض تعرض، والوفود تقدم، فكانت القصة تعاد، ليسمع من لم يسمع، استصلاحاُ ولطفاً، لأن في إعادة قصة واحدة، في مواضع بألفاظ مختلفة، كل واحد منها في نهاية الحسن، من إعجاز القرآن.
{فَكُلا مِنْ حَيْثُ} أي: من كل مكان: {شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} أي: فتصير من الذين ظلموا أنفسهم.

.تفسير الآية رقم (20):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا ما وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [20].
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} أي: إبليس بأكل الشجرة مخيلاً لهما النفع.
{لِيُبْدي لَهُمَا} أي: يظهر لهما: {مَا وُورِيَ} أي: ستر: {عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} أي: عوراتهما واللام في: {لِيُِبْدي} إما للعاقبة، لأنه لم يعلم صدوره منهما، أي: فكان عاقبة وسوسته أن أظهر سوآتهما، أو للتعليل والغرض، وهو الأصل فيها، بناء على حدسه أو علمه بطريق ما.
تنبيه:
في الآية دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور، وأنه مستهجن في الطباع ولذلك سميت سوأة، لأنه يسوء صاحبها..
قال الحاكم: وقد استدل قوم بالآية على وجوب ستر العورة، وأنه كان في شريعة آدم عليه السلام.
قال القاضي: لا دليل في الآية على الوجوب، لأنه ليس فيها إلا أنهما فعلا ذلك.
قال الأصم: في الآية دليل على أنهما كرها التعريّ، وإن لم يكن لهما ثالث، ففي ذلك دليل على قبح التعري، وإن لم يكن مع المتعري أحد، إلا لحاجة {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا} أي: إلا كراهة أن تكونا: {مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} أي: من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين.
وقد استدل بهذا من رأى تفضيل الملائكة على الأنبياء، لارتكابهما ذلك طمعاً في نيل ما ذكر، وأجاب من لم ير هذا، باحتمال أن تكون هذه الواقعة قبل نبوة آدم، ولئن كانت بعدها، فلعل آدم رغب في الملكية للقوة والشدة والقدرة، أو لخلقة الذات، بان يصير جوهراً نورانياُ- أشار له الرازي.
وقال الناصر: لا يلزم من اعتقاد إبليس لذلك ووسوسته لأن الملائكة أفضل، أن يكون الأمر كذلك في علمه تعالى، ألا ترى إبليس قد أخبر أن الله تعالى منعهما من الشجرة حتى لا يخلدا أو لا يكونا ملكين، وهو في ذلك كاذب مبطل فلا دليل فيه إذاً، وليس في الآية ما يوجب تقرير الله تعالى لإبليس على ذلك، ولا تصديقه فيه، بل ختمت الآية بما يدل على أنه كذب لهما وغرهما، إذ قال الله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} فلعل تفضيل الملائكة على النبوة من جملة غروره. انتهى.
قال السيوطي في الإكليل: وأنا أقول: لا أزال أتعجب ممن أخذ يستدل من هذه الآية، والكلام الذي فيها، حكاه الله تعالى عن قول إبليس في معرض المناداة عليه بالكذب والغرور والزور والتدليس، وإنما يستدل من كلامه تعالى، أو من كلام حكاه عن بعض أنبيائه، وإن لم يكن ذلك، فكلام حكاه راضياً به مقراً له. انتهى.
على أنه قرئ {مَلِكين} بكسر اللام، كان يقرؤها كذلك ابن عباس ويحيى بن أبي كثير. قال الواحدي: إنما أتاهما إبليس من جهة الملك. ويدل على هذا قوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى}. انتهى.
والقراءة الشاذة قد تكون تفسيراً للمتواترة، كما لا يخفى، وبه يندفع ما للرازي هنا.

.تفسير الآية رقم (21):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [21].
{وَقَاسَمَهُمَا} أي: أقسم لهما: {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} أي: في هذا الأمر.
قال ابن كثير: أي: حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله. انتهى.
وعن قتادة: إنما يخدع المؤمن بالله. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا رأى من عبده طاعة وحسن صلاة، أعتقه، فكان عبيده يفعلون ذلك طلباً للعتق، فقيل له: إنهم يخدعونك، فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له.

.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [22].
{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} أي: أطمعهما، وأصله: الرجل العطشان يدلي في البئر ليروي من مائها، فلا يجد فيها ماء، فيكون مدلياً فيها بغرور، فوضعت التدلية موضع الإطماع فيها لا يجدي نفعاً، وفيه إشعار بأنه أهبطهما بذلك من درجة عالية، إلى رتبة سافلة، فإن التدلية والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل.
وقيل: معنى دلاهما جرَّأهما بغروره، والأصل فيه دلَّلَهما، والدلّ والدالة الجرأة كما قال:
أظن الحلم دلَّ عليَّ قوْمي ** وقد يُستَجْهلُ الرجل الحليم

فأبدل أحد حرفي التضعيف ياءً:
{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} أي: أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية فتهافت عنهما اللباس، فظهرت لهما عوراتهما.
قال السيوطي في الإكليل: استدل له بعضهم على أن من ذاق الخمر عصى. انتهى.
وهذا وقوف مع ظاهر ما ههنا، فإن الذوق وجود الطعم بالفم، وظاهر أنه قد يعبر به عن الأكل اليسير، وهو المراد هنا، لأنه وقع في آية أخرى مصرحاً بالأكل فيها: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} أي: أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة: {عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} أي: ليستترا به.
قال الجشمي: تدل على أن ستر العورة كان من شريعة آدم عليه السلام، وقد استدل قوم بالآية على وجوب الستر.
قال القاضي: وليس في الآية ما يوجب الوجوب، إذا ليس فيها أكثر من أنهما فعلا ذلك.
قال الأصم: وتدل على أن الستر من خلق آدم وحواء، وأنهما كرها العري وإن لم يكن لهما ثالث، ففي ذلك دليل على قبح التعري إلا عند الحاجة.
{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} أي: يذكرهما النهي السابق والأمر والتجنب عن الشيطان.
{أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} أي: عن الأكل منها: {وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}.